بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عباد الله ،وبعد:
هذا كتاب قانون العقوبات أو قانون الجزاء فى الإسلام والحمد لله أولا وأخرا .
القضاء فرض :
إن الحكم وهو ما يسمى القضاء فى القضايا المختلفة واجب على جماعة المسلمين مصداق لقوله بسورة النساء"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"ومن ثم وجب على المسلمين أن يخصصوا فرقة منهم لتقوم بمهمة الحكم فى القضايا التى تحدث فى أرض دولة المسلمين ،والأفراد المتخصصين فى مجال الحكم يسمون القضاة أو الحكام ولهم من يساعدهم فى القيام بعملهم على أكمل وجه ممكن حتى يتحقق العدل ،والقضاة ثلاثة هم قاضى الجزاء وقاضى الماليات وقاضى الأسرة وكل واحد منهم متخصص فى مجاله وحاصل على شهادة أو إجازة القضاء لأنه لا يجوز أن يكون القاضى جاهلا وفى هذا قال تعالى بسورة النحل"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "فأهل الذكر هم أهل العلم ومنهم القضاة ومهمة القاضى هى الحكم بالعدل لقوله بسورة النساء"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "ومن حق القاضى فى سبيل تحقيق العدل أن يستعين بأى إنسان من أجل إصدار الحكم العادل ولا يحق لمن يستعين به القاضى التخلف عن إعانة القاضى فيما يريد تنفيذا لأمر الله بالتعاون على البر والتقوى فى قوله تعالى بسورة المائدة "وتعاونوا على البر والتقوى"ولا يجوز للقاضى الانسحاب من أى قضية حتى ولو كان هو المتهم أو أحد أقاربه أو والديه مصداق تعالى بسورة النساء"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين "وحتى ولو كان المتهم هو عدوه أى من يكرهه مصداق لقوله بسورة المائدة "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ومن حق القاضى استدعاء أى إنسان للشهادة وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ".
وكل بلدة بها محكمة سواء كانت قرية أو مدينة بها القضاة الثلاثة وقد تتعدد المحاكم فى البلدة إذا كثر عدد سكانها بحيث لا يكفيها محكمة واحدة .
أماكن تنفيذ العقوبات :
تنفذ جميع العقوبات أى الجزاءات فى الأماكن العامة بشرط حضور بعض من المؤمنين للتنفيذ تطبيقا لقوله بسورة النور "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "والمكان العام قد يكون ميدان أو شارع أو حمام سباحة أو شاطىء أو غير هذا .
يحق للقاضى أن يحتفظ بالمتهم فيما يسمى سجن -والسجن الإسلامى هو بيت عادى قد يكون بيت المتهم أو بيت القاضى أو المسجد أو غير هذا-فى حالة الخوف من حدوث أذى له من قبل الأخرين لحين صدور السبيل وهو الحكم بالبراءة أو بالعقاب ومن الأدلة على وجود السجن بهذا المعنى قوله تعالى بسورة النساء فى جريمة السحاق وهو زنى النساء مع بعضهن "واللاتى يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا"فالمسك فى البيوت حتى الموت هو السجن والسبيل هو حكم الله .
الأدوات العقابية :
تتمثل أدوات وهى وسائل تنفيذ العقوبات فى التالى :
-المجلدة أى السوط أى المقرعة وهى قد تكون عصا مرنة أو من مادة لدنة أو أى شىء يضرب به – مالم تنص الشريعة فى الكعبة الحقيقية على تحديد شىء معين -فيؤلم ولا يجرح وفيها قال تعالى بسورة النور"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"
-القاطع وهو قد يكون سكين أو سيف أو أى آلة حادة تقطع ويتبع وجوده وجود شىء يقطع نزول الدم كالمكواة لكى مكان القطع وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ".
-المصلبة وهى أى شىء عالى يعلق عليه المعاقب مثل جذع النخلة وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "أو يصلبوا ".
-الماء وهو السائل الذى يتم فيه نفى المجرم من الأرض أى إغراقه وهو قد يكون فى برميل أو حمام سباحة أو غير هذا من أماكن تواجد الماء وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "أو ينفوا من الأرض ".
-أدوات القصاص وهى أدوات تختلف من جريمة إلى أخرى ومنها السم والسكين وفيها قال تعالى بسورة البقرة "يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى "وقال أيضا "والجروح قصاص".
ما يلغى العقوبات :
تلغى العقوبة فى الأحوال التالية :
(1)الخطأ وهو عدم تعمد ارتكاب الجريمة مع حدوثها وفيه قال تعالى بسورة الأحزاب"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم "ويدخل تحت الخطأ الأتى :
أ-الإكراه وهو إجبار إنسان على ارتكاب جريمة وإلا فقد حياته أو حياة غيره أو فقد عرضه أو ماله أو شوه أو جرح أو عذب هو أو إنسان يحبه وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "لا إكراه فى الدين "
ب-الاضطرار وهو الدفاع عن النفس أو الفرج أو المال أو الدفاع عن الأخرين ضد من يريد إيقاع الأذى به أو بغيره .
ج-الجنون وهو فقد الإنسان لعقله بما يجعله مختلفا عن الناس فى الأمور التى يستوى فيها كل البشر .
د-سفه الصغار والمراد أن الأطفال مجانين يصلون لسن العقل وهو الرشد بالتدريج وفى هذا قال تعالى بسورة النساء"وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهن رشدا فادفعوا إليهم أموالهم "وعلى القاضى اختبار الطفل لمعرفة مدى مسئوليته عن الجريمة التى ارتكبها .
ه-نية الفعل التى أريد بها الخير وحدث الشر وهو الأذى منها كالصيد الذى نتج عنه قتل إنسان .
والعقوبة الملغاة يكون بدلا منها العقوبة المنصوص عليها فى الوحى فى حالة الخطأ.
(2)إنكار المتهمة من قبل زوجها بارتكاب الزنى وفى هذا قال تعالى بسورة النور"ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ".
(3)عفو أصحاب الحق فى القضايا التى نص الله فيها على وجود العفو عن المحكوم عليه كما قوله تعالى بسورة البقرة "يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء".
إعادة الحكم :
الإعادة هى إصدار حكم جديد فى قضية سبق الحكم فيها وذلك للعثور على أدلة توجب إعادة الحكم فى القضية ويدل على إعادة الحكم فى الوصية حال العثور على الأدلة الجديدة وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فأخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولين " وكل قضية قابلة للإعادة بشرط العثور على الأدلة الجديدة وعند إعادة الحكم يحكم على شهود الزور بالجلد ثمانين جلدة لقوله تعالى بسورة النور "فاجلدوهم ثمانين جلدة "وبعد هذا يتم النظر فى الحكم السابق فإذا كان البرىء حكم عليه بالقتل يقتل شهود الزور وإذا حكم بالقطع لليد تقطع أيدى شهود الزور مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة "كتب عليكم القصاص فى القتلى "وقوله بسورة المائدة "والجروح قصاص"وأما إذا جلد فيجلد الشهود نفس العدد وفى كل الأحوال تصرف دية من أموال شهود الزور للمحكوم عليه زورا أو لورثته فإن لم يكن لديهم يدفع بيت المال الدية ويتم الإعلان عن براءة المحكوم عليه ظلما فى وسائل الإعلام وأما إذا كان القاضى هو المخطىء متعمدا فيعاقب بنفس العقوبات السابق ذكرها وأما إذا كان القاضى قد حكم خطأ غير متعمد للخطأ فيدفع دية للمحكوم عليه ظلما من بيت المال.
أدلة إثبات الحكم :
الأدلة المقبولة فى الإسلام فى القضايا هى :
-شهادة الشهود لقوله تعالى بسورة البقرة "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ".
-شهادة المتهم على نفسه وهو الإعتراف أى الإقرار وفيه قال تعالى بسورة النساء"كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم "والإقرار لا يفيد فى جريمة الزنى ما لم يكن من الطرفين فإن كان من طرف واحد وجب وجود أربعة شهداء لقوله تعالى بسورة النور"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء"وفى تلك الحال يكون إقرار المتهم على نفسه شهادة زور يجلد عليها ثمانين جلدة لقوله تعالى بسورة النور"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ".
وتجوز جميع الشهادات من العقلاء ومن الكل مهما كانت صلتهم بالشاهد - ما دام القاضى سيفحص كل الشهادات للتثبت من صحتها أو بطلانها - لقوله تعالى بسورة النساء"شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ".
-القسم سواء للإثبات أو للإنكار فالقسم للإثبات قال تعالى فيه بسورة النور"والذين أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين "والشهادة بالله تعنى القسم به وفى القسم للإنكار قال تعالى بسورة النور"ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين " والقسم يستعمل فى حالات محددة كدليل إثبات أو إنكار من قبل المدعى والمدعى عليه وهى حالة الإتهام بالزنى وأما بقية الحالات فالقسم يكون من جانب الشهود مثل حالة الدين حيث قال تعالى فيها بسورة البقرة "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء"ومثل حالة الشهادة على الوصية وفيها قال تعالى بسورة المائدة "يا أيها الذين أمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو أخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين ".
-الأدلة الظاهرة وهى الأشياء التى تدل على اثبات الجرم مثل عقد الدين المكتوب وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة ".
-الاستنتاج وهو دراسة الجريمة من خلال الأدلة الظاهرة والشهود والقسم أو بعضهم بالاضافة إلى تحليل حركات ارتكاب الجريمة ومن أمثلة الاستنتاج فى القرآن استنتاج الرجل الذى من أهل امرأة العزيز لبراءة يوسف (ص)أن يوسف (ص)لو كان الراغب لقاومته المرأة فقطعت القميص من الأمام وأما إذا كانت هى الراغبة فسيهرب منها وتجرى خلفه فتقطع القميص من الخلف وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف"وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين "ويدخل ضمن دراسة الجريمة أشياء عديدة هى ما يسمى حالة التلبس والتلبس ليس دليلا فى كل الحالات على أن المتلبس مجرم كما حدث فى مكيدة يوسف (ص)لاخوته عندما وضع السقاية فى رحل أخيه ومثل أن الشىء المسروق مسك مع إنسان اشتراه دون علمه بأنه مسروق ومنها التهديد وهو قول يتم إخبار الأخرين به بأنه سينال فلان أو أهله أو ماله أذى ومنها المشاكل الزوجية وبين العائلات وبين الجيران وبين الزملاء والأصدقاء ومنها البصمات والأحمضة الخلوية والمتروكات فى مكان الجريمة وكل هذا يتم دراسته مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه الأشياء ليست أدلة على إثبات الجريمة 100% وإنما وارد فيها الإنكار بنسبة النصف فمثلا ليس كل مهدد بالقتل قاتل ومثال هذا فى القرآن أخو يوسف(ص)الذى قال "اقتلوا يوسف"فهو أمر بالقتل نفسه واخوته ومع هذا لم ينفذ التهديد الذى قاله ومثلا ليس كل مخالف لنا فى الدين معادى لنا مجرم يتم اتهامه فى أى جريمة تحدث فى مكان تواجده كما حدث مع الكتابى الذى اتهمه منافق أعلن إسلامه بالسرقة ومع هذا برأ الله الكتابى بقوله بسورة النساء"ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك "ومثلا ليس معنى وجود بطاقة أو ورقة عليها اسم فلان أو علان من الناس فى مكان الجريمة دليل على ارتكابه للجريمة لأنها قد تكون سرقت منه أو وقعت منه واستغلها المجرم فى إبعاد الشبهة عنه .
وعلى القاضى أن يدرس قضيته جيدا بالإستعانة بمساعديه وكل من له خبرة حتى يستطيع أن يصدر حكمه وهو مستريح العقل .
التوبة والعقاب :
التوبة هى طلب الغفران من الله عن الذنوب والواجب عند تنفيذ القتل فى القاتل طلب التوبة من القاتل وكذلك الأمر فى العقوبات الأخرى فبعد تنفيذ العقوبات لابد من توبة المعاقب بالاستغفار أمام الحضور وفى هذا قال تعالى بسورة التحريم "يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا "والدليل على وجوب توبة كل معاقب بعد عقابه عدا القاتل هو الحديث عن التوبة بعد الظلم ومثال هذا قوله تعالى فى السرقة بسورة المائدة "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه"وهذا الحديث عن التوبة بعد الظلم متكرر فى كل الجرائم ومنها أيضا القتل والزنى وفيهما قال تعالى بسورة الفرقان"والذين لا يدعون مع الله إلها أخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل هذا يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وأمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا "ومنها شهادة الزور وفى توبة الشاهد بعد عقابه قال تعالى بسورة النور"فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " وفى حالة رفض المعاقب المحكوم عليه للإستغفار من ذنبه عند العقاب أو بعده يصبح مرتدا عن الإسلام ومن ثم تطلب منه التوبة عدة مرات وبين كل مرة والأخرى تترك له فرصة عدة أيام للتفكير فإن عاد للإسلام واستغفر فبها وحسنت وإما إذا رفض فيقتل وقد بين الله لنا أن من لم يتب ظالم حيث قال بسورة الحجرات"ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون"والظالمون هم الكافرون مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة "والكافرون هم الظالمون "(آية 254)وما دام قد أصبح كافرا بعد إسلامه فهو مرتد يستحق عقوبة الردة وهى القتل.
تأجيل تنفيذ العقوبات:
يتم تأجيل العقوبات فى الحالات التالية :
1-الحامل والمرضع والمريض بمرض غير مزمن والسبب هو أن تنفيذ العقوبات يؤدى لحرج للغير ممثلا فى جنين الحامل ورضيع المرضع وأذى قد يؤدى بالمريض للوفاة وهى عقوبة ليست مقررة عليه فيكون هذا ظلم له وفى تحريم هذا الحرج وهو الأذى قال تعالى بسورة الحج"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"أضف لهذا أن الجنين والرضيع لا يتحملان نتيجة عقاب غيرهم لقوله تعالى بسورة الإسراء"ولا تزر وازرة وزر أخرى"
2-المحكوم عليه بالقصاص فى الجروح يتم تأجيل تنفيذ العقوبة فيه لحين شفاء المجروح شفاء تاما حتى يتم معرفة ما يجب فعله فى المحكوم عليه من الجروح و بذا يتحقق العدل دون زيادة أو نقصان تطبيقا لقوله تعالى بسورة المائدة "والجروح قصاص "وقوله أيضا"اعدلوا ".
عقوبات المرضى والمعاقين:
المريض هو المصاب بألم يتسبب له فى بعض المتاعب وبعض المرضى قد يرتكبون جرائم ولكن تنفيذ العقوبة فيهم كالأصحاء قد يتعدى العقاب إلى الوفاة فى جرائم لا تستحق الوفاة أى القتل ومن أمثلة المرضى مرضى القلب والمخ وكل من يحكم الأطباء أن تنفيذ العقوبة فيهم يتسبب فى وفاتهم .
إن العقوبة لا تلغى فى الإسلام حتى ولو نفذت فى مريض ولكن التنفيذ هو الذى تختلف طريقته أو وسيلته ما بين السليم والمريض فمثلا يجلد الصحيح بالسوط العادى ويجلد المريض بسوط صغير أو مجموعة أسواط مرة أو عدة مرات الجلدات المحكوم بها وهذا العمل هو اقتداء بأمر الله لأيوب(ص)بتنفيذ يمينه بعقاب زوجته بالضرب عن طريق الضغث وهو حزمة من الأعواد الصغيرة مرة واحدة فيكون بهذا منفذا للعدد الذى قاله فى يمينه والذى هو عدد الأعواد الصغيرة وفى هذا قال تعالى بسورة ص"وخذ بيدك ضغثا فاضرب ولا تحنث "وهناك بعض المرضى مثل الذين يعيشون بعضو واحد من كل عضو ثنائى العدد أو أكثر إذا ارتكبوا جرائم جروحية وتم تنفيذ القصاص فإنهم يموتون مثل من يعيش بكلية واحدة وإما يعجزون عن تدبير أمورهم العادية مثل الأعور الذى لا يرى بإحدى عينيه ويحكم عليه بفقع العين الأخرى فيصبح أعمى لا يستطيع أداء وظيفته أو المشى بمفرده مثلا ومثل من يده مقطوعة وقطع يد أخر فيحكم عليه بقطع يده الأخرى مما يؤدى لعدم أداء وظيفته وعدم قدرته على إطعام نفسه أو التطهر من البول والبراز والوضوء مثلا .
هؤلاء المرضى أو المعوقون لا تنفذ فيهم العقوبة إذا أدت إلى هذا الهلاك أو الفوضى الحياتية – ما لم تنص الشريعة فى الكعبة الحقيقية على غير ذلك -وتنفذ فيهم عقوبة أخرى حيث يتم تخيير المجروح بين أعضاء المريض أو المعوق السليمة فيختار عضو يتم تنفيذ الجرح فيه وبهذا نكون قد نفذنا قوله تعالى بسورة الحج"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"فلم نحرج أى نؤذى المعوق أذى يهلكه أو يعطله عن حياته العادية ولم نؤذ المجروح بعد تنفيذ العقاب وإنما حكمناه فى المجرم بالإضافة إلى أن الله جعل مخرج أخر من تنفيذ العقوبة المهلكة هو عفو المجنى عليه .
القسم فى القضايا :
يقصد بالقسم الحلف بالله على قول الحق عند الشهادة أمام القضاة والإسلام جعل للقسم القضائى طريقة محددة هى :
أن يصلى الشاهد مع القاضى أى صلاة من الصلوات المفروضة وبعد الصلاة يجعله القاضى يقسم بالله على قول الحق وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله"والغرض من التطهر بالوضوء والصلاة هو تذكير الشاهد بقدرة الله عليه إن هو نوى شهادة الزور وفى بعض القضايا أوجب الله على الشاهد أن يقول بعد القسم –والله أو بالله أو تالله أو غير هذا من صيغ القسم بالله-أقوال محددة هى :
فى قضايا الوصايا يقول :إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين "وفى قضية اتهام الزوجة بالزنى يقول الزوج أربع مرات :والله إنى لمن الصادقين فى قولى عنها والمرة الخامسة والله إن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين وفى هذا قال تعالى بسورة النور"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين "وأما الزوجة فتقول لرد اتهام الزوج لها أربع مرات :والله إن زوجى من الكاذبين فى قوله والمرة الخامسة :والله إن غضب الله على إن كان من الصادقين وفى هذا قال تعالى بسورة النور"ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ".
وأما فى بقية القضايا فيقول الشاهد بعد صلاته مع القاضى :والله أقول الحق أو أى صيغة أخرى تحمل نفس المعنى ولا يتم القسم أمام القاضى بغير الله،وأما الشهود الكفار فليس واجبا عليهم الصلاة الإسلامية ويستحسن أن يجعل القاضى الشاهد الكافر يصلى صلاة من صلوات دينه قبل القسم بالله إن كان فى دينه صلاة .
أنواع الجرائم :
تنقسم الجرائم إلى ثلاثة أنواع هى :
1-الجريمة التى تم إيقاف تنفيذها ويسمونها فى هذا العصر الشروع فى ارتكاب الجريمة ومن أمثلتها أن يمنع الحاضرون المجرم من التنفيذ بمسك يده الممسكة بأداة الجريمة أو بإبعاد الضحية من المكان وقد ورد عن هذا النوع التالى فى القرآن :
-جريمة موسى (ص)لما أراد أن يضرب الفرعونى الثانى ليقتله فذكره الرجل بأنه مهمته فى الحياة هى الإصلاح وليس التجبر فى الأرض فامتنع موسى (ص)عن قتله وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ".
-جريمة امرأة العزيز حينما أرادت حمل يوسف (ص)على الزنى بها فرفض هذا وفيها قال تعالى بسورة يوسف على لسان المرأة "فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ".
-جريمة حمل الأخ الغنى للأخ الفقير على التنازل له عن نعجته بالكلام وفيها قال تعالى بسورة ص"إن هذا أخى له تسع وتسعين نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه".
وهذا الجرائم حدث أولها وثانيها فى مجتمعات كافرة وحدثت الثالثة فى مجتمع إسلامى ووضح فيها داود(ص)وهو القاضى الحق للمظلوم والظالم ولم يعاقب الظالم فى طلبه حيث أنه لم يغتصب النعجة بالقوة ومن ثم فإن أصحاب الجرائم الموقفة لا يواجهون عقابا فرديا مؤذيا لبدنهم أو لمالهم وإنما يواجهون عقابا جماعيا مؤذيا للنفس وهو الإعراض عنهم بمعنى أن يخاصمهم المسلمون فى البلدة فلا يحدثونهم ولا يتعاملون معهم إلا للضرورة القصوى كالعلاج وبيع الطعام ويستمر هذا العقاب حتى توبتهم واعتذارهم إلى الذين أرادوا إلحاق الأذى بهم وهذا اقتداء بعمل النبى (ص)بالإعراض عن المنافقين الذين كانوا يعادونه فى السر وفى هذا قال تعالى له بسورة النساء"أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا "واقتداء بعمل المسلمين أيضا مع المنافقين الذين ارتكبوا العديد من الجرائم بكل أنواعها وهو الإعراض عنهم أى وقف التعامل معهم استجابة لقوله تعالى بسورة التوبة "فأعرضوا عنهم "ومن هذا أن الله طالب النبى (ص)والمسلمين بعدم الصلاة فى مسجدهم فقال بسورة التوبة "لا تقم فيه أبدا " وهذا الإعراض أى الخصام لم يتحول لعقاب بدنى أو مالى لأن جرائم المنافقين رغم علم المسلمين بها من الله لم تكن أدلة إثباتها البشرية متوافرة للقضاء وقد تحول لعقاب بدنى فيما بعد لما ظهرت الأدلة فأمر الله بقتلهم فقال بسورة النساء"فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم "وأمامنا ما فعله المسلمون مع إخوتهم الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد دون عذر فقد خاصموهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم واستمر الخصام حتى تاب الله عليهم وأسباب عدم العقاب البدنى أو المالى لأصحاب الجرائم الموقفة هى :
-أن لا عقاب إلا على جريمة وقعت بالفعل وهنا لم تقع جريمة موجبة للعقاب البدنى أو المالى وإنما جريمة موجبة للعقاب النفسى .
-أن المجرم قد يدعى أمام القاضى أن نيته من الفعل الإجرامى كانت هى التخويف وليس ارتكاب جريمة ومن ثم على القاضى أن يخلى سبيله بلا عقاب لأن الإسلام لا يعاقب إلا على الجرائم المتعمدة مصداق لقوله تعالى بسورة الأحزاب"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ".
-أن الإنسان إذا أصر على أنه كان يريد -أى تعمد-قتل أو إيذاء غيره بفعله الذى تم إيقافه يحول إلى قضايا الردة وفى تلك الحال يستتاب من إصراره على ارتكاب الجريمة فإن لم يتب فهو مرتد لإصراره على الكفر والمسلم لا يصر على فعل الجرائم التى هى الكفر لقوله تعالى بسورة النساء"ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ".
والعقاب النفسى وهو الخصام يعلنه القاضى فى وسائل الإعلام الموجودة فى البلاد فيأمر الناس بمخاصمة فلان ابن فلان لأنه أراد فعل كذا وعلى كل مسلم فى البلدة مخاصمة الشخص حتى يعلن القاضى أنه تاب وأناب فعند هذا يحق لهم الحديث معه .
2-الجريمة الفاشلة وهى الجريمة التى تم تنفيذها ولكنها لم تسفر عن حدوث الأذى المراد ومن أمثلتها إطلاق الرصاص على الضحية ولكنه لم يصبه ولم يصب أحد ومن أمثلتها فى القرآن جريمة خباز الملك الذى أراد قتل الملك ولكنه فشل فكان عقابه من الملك صلبه وهى الواردة بقوله بسورة يوسف"وأما الأخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه "والعقاب هنا تم فى مجتمع كافر وأما فى الإسلام فعقاب الجرائم الفاشلة هو :
- القصاص وهو العقاب المماثل فمثلا إذا كان المجرم قد أطلق النار على الضحية فلم يصبه فإن القاضى يعطى للضحية مسدسا ليطلق النار على المجرم بشرط ألا يصيبه والهدف من هذا هو تخويف المجرم ووضعه فى نفس الموقف الذى كان يريد وضع الضحية فيه حتى يفكر فيما بعد ألف مرة قبل الإقدام على جريمة أخرى وفى هذا قال تعالى بسورة النحل"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ".
- الإعراض عن المجرم وهو خصامه مدة تجعله متضايقا حتى تضيق عليه نفسه والأرض على وسعها كما فعل المسلمون مع المخلفين الثلاثة عن الجهاد.
ونلاحظ فى جريمة الأسباط الفاشلة مع يوسف (ص)أنه عاقبهم بظلم مماثل لظلمهم وضايقهم أشد المضايقة بمنع الكيل عنهم وتدبيره مكيدة سرقة الصواع مع أخيه .
3-الجريمة الواقعة وهى التى تسفر عن وقوع مخالفة لحكم من أحكام الله وهذه المخالفة لها عقوبة معلومة وهذه الجرائم هى التى يدور حولها قانون العقوبات أى الجزاء أى العذاب أى الأذى كما سماه الله فى القرآن .
أحكام الجروح:
الجرح هو إصابة عضو أو أكثر من أعضاء الجسم عن طريق فتحه أو إزالة بعضه أو كله أو إحداث تهتك داخلى فيه أو كسره ،ويعاقب الجارح المتعمد بأن يتم إتلاف العضو المماثل فى جسمه بنفس الدرجة وهنا هو القصاص وفيه قال تعالى بسورة المائدة "والجروح قصاص"،ولا يتم القصاص من الجانى المتعمد إلا بعد شفاء المجروح شفاء تاما من جرحه والسبب هو معرفة درجة إصابته لعمل مثلها بالضبط وفى هذا قال تعالى بسورة النساء"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "والعدل هنا هو المساواة فى الجرح بين الجارح والمجروح ،ويجوز للمجروح أن يتصدق على الجانى والمراد أن يتنازل عن عقابه بنفس الجرح وهو حقه وإذا عفا المجروح عن الجانى فهناك كفارة له والمراد دية أى تعويض مالى يدفعها الجانى له وهى مبلغ غير محدد يزداد فى حالة الغنى ويقل فى حالة الفقر وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له"وفى كل الأحوال يتحمل الجانى نفقات علاج المجروح لأن من أتلف شىء عليه إصلاحه كما بقصة الغنم والحرث بسورة الأنبياء ،وأما الجارح غير المتعمد فيدفع الدية إلا أن يتنازل المجروح عنها .
أحكام القلع :
القلع هو إزالة عضو أو أكثر من أعضاء الجسم بطريقة ما من الطرق والإزالة تعنى إما قطع العضو أو بعض منه وإما إفقاده مهام وظيفته بحيث يصبح وجوده كعدمه ،وحكم الله هو أن كل عضو يقلع بواسطة إنسان أخر تعمدا لإيذائه يجب قلع العضو بنفس الدرجة فمثلا إذا فقع عين الضحية يفقع الضحية عينه وإذا قطع قطعة من أذنه يقطع الضحية قطعة مماثلة من أذن الجانى وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن "ولا تتم إزالة العضو من الجانى إلا به شفاء الضحية شفاء تاما وذلك حتى يتم عمل العاهة نفسها فى الجانى تحقيقا للعدل المذكور فى قوله تعالى بسورة المائدة "اعدلوا "ويحق للضحية أن يتصدق بالعضو على الجانى بمعنى أن يتنازل عن حقه فى عمل نفس الشىء فى الجانى وفى مقابل هذا يدفع الجانى من ماله كفارة أى دية أى مبلغ مالى حسب قدرته المالية للضحية وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة فى نفس الآية "فمن تصدق به فهو كفارة له"ويتحمل المجرم نفقات علاج الضحية من باب من أتلف شىء عليه إصلاحه كما بقصة الغنم والحرث فى سورة الأنبياء،وأما القالع غير المتعمد فيدفع الدية إلا أن يتنازل المقلوع له عن الدية.
أحكام القتل :
القتل هو إزهاق نفس إنسان عن طريق من الطرق غير الطبيعية لخروج النفس من الجسم – ويقصد بالطبيعية الوفاة-دون ذنب يستحق عليه القتل ،والقاتل هو من شارك فى القتل سواء بتوفير أداة القتل مع العلم بأن من أخذها سيرتكب الجريمة أو بتدبير المكيدة لإعطاء الفرصة لتنفيذ القتل أو بفعل القتل نفسه ،ويتم قتل كل من قتل أخر عمدا بنفس طريقة قتله للقتيل مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة "يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى "وقوله بسورة المائدة "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "،ويستوى فى القتل جميع البشر الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى والذكر بالأنثى والأنثى بالذكر والحر بالحر والعبد بالعبد والعبد بالحر والحر بالعبد والكافر بالكافر والمسلم بالمسلم والكافر بالمسلم والمسلم بالكافر وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "أن النفس بالنفس"وقوله بسورة الإسراء"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل"فكل البشر لهم نفوس ومن ثم فلا أحد أفضل من أحد ،ويقوم ولى القتيل من الرجال أو النساء بقتل القاتل وفى هذا قال تعالى بسورة الإسراء"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"ومن حق ولى القتيل أن يعفو عن القاتل فيتركه يعيش ويوجب هذا العفو على القاتل أن يدفع له أى للولى شىء أى دية وهى مبلغ مالى يقدر على دفعه مصداق لقوله بسورة البقرة "فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان "ومن عاد للقتل العمد مرة أخرى يقتل ولا يعفو عنه أبدا لقوله بنهاية آية القصاص فى البقرة "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " .
ونأتى للقتل الخطأ وهو القتل غير المتعمد وهو كل قتل حدث دون قصد من القاتل والقصد هو النية التى قام فعل القاتل على أساسها وهو على نوعين:
1-قتل حدث نتيجة فعل لم يكن المقصود به القتل مثل من يصيد حيوانا فأطلق النار فأصاب إنسانا فهنا الفعل قتل ولكن الغرض من الفعل كان الصيد .
2-قتل حدث نتيجة الظن الخاطىء مثل قتل المسلم لأخيه المسلم ظنا منه أنه لم يسلم وأنه كان معاديا للإسلام سابقا فهو قتل متعمد على أساس أنه جهاد وليس على أساس أنه جريمة .
إذا القتل الخاطىء ناتج من نية عمل شىء غير القتل ولكنه أدى للقتل وإما ناتج على أساس معرفة خاطئة وليس للقتل العمد أو القتل الخطأ وسائل وأدوات خاصة بكل منهم فالعصا استخدامها قد يكون متعمدا للقتل إذا ظل القاتل يضرب بها القتيل حتى يلفظ أنفاسه وقد يكون خطأ إذا ضرب القاتل مرة واحدة أو مرتين القتيل على أساس أنه حيوان وقع فى شباكه وحتى عدد مرات الضرب لا يخبرنا عن نية القاتل ومن ثم يجب على القاضى سؤال القاتل عن نيته من باب الشهادة على نفسه مصداق لقوله تعالى بسورة النساء"شهداء لله ولو على أنفسكم "ويستدعى شهود الجريمة للشهادة ويقرأ تقرير الطب الشرعى ليعرف منه قصد القاتل ويستنتج من كيفية وقوع الجريمة ووقتها ومكانها النية ومن ثم فواجبه تقصى الحقائق حتى يعرف نية القاتل فيحكم على أساسها .
ونأتى لعقاب القاتل قتل خطأ وهى:
-إذا كان القتيل مسلما وأهله من المسلمين يجب على القاتل تحرير عبد أو أمة مسلمة ودفع دية أى مبلغ من المال حسب قدرته المالية لأهل القتيل ويجوز لأهل القتيل التصدق أى التنازل عن الدية للقاتل ،وإذا كان القتيل مسلما وأهله من الأعداء أى الكفار فالواجب هو تحرير عبد أو أمة مسلمة ،وإذا كان القتيل مسلما وأهله لهم ميثاق أى عهد سلام مع المسلمين فيدفع القاتل الدية لهم ويحرر رقبة عبد أو أمة مسلمة من الرق ،وفى حالة عجزه المالى عن تحرير عبد أو أمة مسلمة أو دفع الدية عليه بصيام شهرين متتابعين فيغفر الله له وفى هذا قال تعالى بسورة النساء"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ".
ولا يوجد فى الإسلام ما يسمى العفو عن القتلة-دون عفو أهل القتيل _ بسبب دوافعهم للقتل فمثلا من يقتل ابنته لأنها زنت بدافع الشرف ومنع الفضيحة يقتل لأن الله جعل عقوبة الزنى هى الجلد ومثلا من يقتل السارق بحجة الدفاع عن ماله يقتل لأن الله جعل عقوبة السارق هى قطع اليد ومن ثم على كل مسلم أن يبلغ عن الجرائم ولا يقتل مرتكبيها لحرمة قتل النفس بدون نفس قتلتها أو بدون ردتها عن الإسلام وهو الفساد وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ".
ولا يعتبر قاتلا من يدافع عن حياة نفسه أو غيره من الناس بقتل الباغى الذى قدم يريد قتلهم والباغى الذى يجب قتله هو الذى يقوم بعمل يستدل منه على نيته وهى قتل الناس مثل حمله سلاح يطلق منه النار على من فى البيت أو يرش مادة قابلة للإشتعال على بيت الناس أو حوله وإشعال النار فى هذه المادة ومثل وضع متفجرات لنسف البيت أو المكان بمن فيه وفى هذا قال تعالى فى سورة الحجرات "وقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله "فقتال البغاة واجب والمسلم فى تلك الحال لا يقاتل مسلما وإنما كان مسلما قبل بغيه فهو وقت بغيه كافر يستحق قتله إن تمت القدرة على قتله .